Monday, February 14, 2011

أيها المتضامنون: هذه الثورة قامت ضدكم

ما يجري في تونس ومصر كان ينبغي، حسب منطق التاريخ الحديث، أن يحصل قبل ذلك، في مرحلة الاستقلالات أو قبل ذلك (مع مجيء نابليون إلى مصر مثلا). فما طرحه التاريخ على الأمة العربية وعلى سواها من دول العالم هو أن الحضارة الرأسمالية الزاحفة للتمدد على كل الكرة الأرضية، وبعد ذلك نحو أعماق البحار وإلى أعالي السماوات، هذه الحضارة عرضت علينا، نحن العرب كما على سوانا، الدخول إلى رحابها، بالقوة والاحتلال المباشر كما في الهند أو في الصين، أو بالسلم والحذو حذوها كما في اليابان.
العالم العربي اختار أن يرد سلبا على هذا العرض، رافضا الدخول في التاريخ الحديث، وكانت له مبرراته وذرائعه، وعلى رأسها الاستعمار والصهيونية، الذريعتان اللتان باسمهما مارس الحكام العرب كل صنوف القهر والاستبداد في حق شعوبهم . ثم جاء ما يتناغم مع الذرائع حين قامت الثورة البلشفية الاشتراكية التي دعت إلى محاربة الرأسمالية وإلى بناء النظام الاشتراكي على أنقاضها، ثم حين قامت الخمينية لتعلن الحرب على الشيطان الأكبر.
ما يجري اليوم في مصر وتونس، وما سيحصل في سواهما بقوة التاريخ، هو نقد ذاتي قاس لمرحلة عدت ناصعة في تاريخنا، لكنه ليس نقدا انقلابيا على طريقة أصحاب القبعات العسكرية ولا على طريقة العمائم، إنه نقد يحفظ لعبد الناصر مجد نهوض عربي عارم، ولليسار مجد تضحيات من أجل القيم الكبرى، وللحركة القومية العربية بناصرييها وبعثييها وشيوعييها وإسلامييها مجد مواجهات كبرى مع " الاستعمار والصهيونية والرجعية".
النقد التونسي المصري لا ينقلب على هذه الأمجاد، بل على الاستبداد الذي مورس بحق الشعوب العربية باسم هذه الأمجاد. ذلك أن باب الدخول في الحضارة الحديثة، إن جاز اختصاره في كلمة، هو نهاية عصر التوريث السياسي، نهاية عصر الممالك والأمبراطوريات والسلاطين، وبداية عصر الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان، ومن المؤسف أن تكون مرحلة الأمجاد الناصرية القومية اليسارية قد تأسست على حكم التوريث والقضاء على بذور الديمقراطية الفتية في حينها.
العالم العربي ظل وحده على الكرة الأرضية محكوما بالوراثة . حتى في الأنظمة التي كانت تعتمد الانتخابات كان يتم اختيار الحاكم فيها بالوراثة أو بالتمديد أو بالتجديد، أو بانقلاب الشقيق على الشقيق والضابط على الضابط والمعمم على المعمم، أسماء مختلفة لمسمى واحد هو التمسك بسلطة "إلى الأبد "، سلطة كتبت أبديتها بأحرف من نار وحبرها من دماء الشعوب وعرقها. انظروا إلى الأمة من المحيط إلى الخليج، فيها أكبر المعمرين من الحكام، فيها عميد الحكام في العالم، وحكامها يخيرون شعوبهم بين اثنين : إما حكمهم الأبدي إما الحروب الأهلية.
ذريعتنا، نحن شعوب الطوق، إسرائيل . لنقل جدلا، نعم . إسرائيل التي تتجسد فيها كل قبائح التاريخ السياسي، العنصرية والتوسعية والعدوانية والشوفينية والإجرام، الخ . لكن ما علاقة إسرائيل بإمعان حاكم السودان في تفتيت بلده أو في إمعان الصومال في التقهقر نحو القرون الوسطى، أو في اليمن حيث الرغبة جامحة في التمسك بالبداوة والقبيلة والعشيرة على حساب القانون، أو في الجزائر والصومال والسودان والعراق حيث الحروب الأهلية هي الخيارات الوحيدة المتاحة أمام الشعوب، إذا لم يبق الحاكم حاكما . حتى الحرب الأهلية في لبنان هي بنت هذا العقل ذاته، عقل الاستبداد الأبدي الذي يمارسه علينا سياسيون خارجون على كل قانون، عقل الاستبداد العربي الذي لم يرضه أن تقوم ديمقراطية في هذا الشرق وتهدد عروشهم الموروثة.
في مصر، كما في تونس، لم ترتفع راية من تلك التي كانت ترتفع في المظاهرات اليسارية أو القومية أومظاهرات الإسلام السياسي، لا الاشتراكية هي الحل ولا الإسلام هو الحل ولم نسمع تنديدا بأحد أو بدولة خارجية . مسألة واحدة جمعت الثوار : الحرية ودولة القانون والمؤسسات.
في مصر، كما في تونس، لم نلحظ تنافسا على مسرح الأحداث، بل قيادة مستترة تشبه تلك التي وجهت الثورة الفرنسية، قيادة قد تكون مغمورة وقد تكون مخضرمة وقد تكون متعددة المنابت، لكنها طالعة بالتأكيد من شعور عارم بالوحدة الوطنية، أي بالانتماء إلى وطن هو تونس، وهو مصر، وفي غمرة هذا الانتماء تذوب الفوارق والاختلافات كلها من أجل هم واحد أوحد : دولة عصرية تعلن نهاية عصر التوريث السياسي.
في مصر، كما في تونس، تجمع وعي سياسي جديد، بالفيسبوك والنضال الإلكتروني وليس بمكبرات الصوت والسبابات والخطابات الحماسية والشحن العاطفي الشوفيني ضد عدو خارجي . بل إن الثورتين عزمتا، لأول مرة في تاريخ الأمة العربية، أن تصوبا على عدو، بل على خصم داخلي، ولأول مرة في تاريخنا تعلن جماهير بمئات الآلاف سأمها من الخطاب الأجوف الذي يقوم عصبه على نظرية المؤامرة، وإصرارها على أن الأزمات ذات أسباب داخلية بالدرجة الأولى وأن حلولها ينبغي أن تبدأ من الداخل.
إنها إذن ثورة من أجل الديمقراطية، غابت عنها الشعارات الكبرى المتعلقة بالقضية الفلسطينية والصراع مع الاستعمار والإمبريالية . إنها ثورة بسيطة تختصر مطالبها بتأسيس دولة عصرية تقوم على تداول السلطة : دولة القانون والمؤسسات والعدالة والكفاءة وتكافؤ الفرص، الخ.
الذين يتضامنون مع الثورتين التونسية والمصرية، خارج تونس ومصر، يسقطون عليهما مفاهيم وأهدافا من خارج سياقهما، وأحيانا يقيسونهما بعكس ما يريده أهل الثورتين، وقد ظهر ذلك التضامن خجولا أحيانا وسافرا أحيانا، لكنه تضامن لم يعبأ به اهل الثورتين، بل لعل من غير المبالغة القول إن بعض هذا التضامن كان مسيئا للثورة وعده الثوار مساسا بالسيادة الوطنية وتدخلا في الشؤون الداخلية ( التضامن الإيراني والتصريحات الأميركية وبعض التضامن اللبناني مثلا).
هي ثورة جديدة حقا، بل هي الثورة الوحيدة الحديثة التي قامت في كل أنحاء الأمة العربية .كل ما عداها وما سبقها من "ثورات" لم يكن سوى انقلابات عسكرية أو عمائمية كما حصل في إيران الخيمينية، ذلك لأن الثورة تعني أول ما تعني، ليس فقط تغيير الطقم الحاكم، بل تغييرا في النظام الاقتصادي الاجتماعي، ومن باب أولى تغييرا في بنية النظام السياسي، وقد تكون هذه الانقلابات قد قامت بتغييرات كثيرة لكنها جددت أنظمة الاستبداد وضرب الديمقراطية .
إنها ثورة جديدة حقا لأنها تفتح الآفاق واسعة أمام انتقال بلدان الأمة كلها من أنظمة الوراثة إلى أنظمة ديمقراطية . ذلك يعني أن هذا المجد لا يستحقه إلا الديمقراطيون، أفرادا وأحزابا وأنظمة . أما الأحزاب الشمولية المعادية للديمقراطية، وأنظمة الحزب الواحد، وأنظمة قمع الحريات فلا يحق لها حتى التضامن مع الثورتين، لأنهما ثورتان ضد الاستبداد، ضد كل أنواع الاستبداد السياسي والديني والعسكري الخارجي والداخلي، أي ضد من يتضامن معها من هؤلاء المستبدين.
وحده جيل الشباب هو صاحب الثورة، ولن يسمح بأن ينضم إليه إلا من عمل على تنظيف سجله الاستبدادي بالنقد الذاتي الشجاع للمرحلة القومية الشوفينية البعثية والناصرية والشيوعية والإسلاموية.
moukaled47@yahoo.fr

Saturday, February 5, 2011

طغاة ام ملائكة- النهار -5 شباط 2011

طغاة أم ملائكة ؟
اعتبر الرئيس السوري بشار الاسد في المقابلة الاخيرة التي ادلى بها لـ"الوول ستريت جورنال" الاميركية ان لا احتمال ان تتمدد الاحتجاجات التي تشهدها تونس ومصر الى بلاده. وقال ان الطبقة الحاكمة في دمشق "شديدة الالتصاق بما يؤمن به الشعب السوري"، وليس في سوريا سخط على الدولة، ولذا فلا داعي للحكومة ان تغير سياساتها !
بالطبع كان للرئيس السوري "عباقرة" من لبنان الى مدى ابعد في سياق التنظير بـ"النظارات" ليدلوا بدلوهم في الانتفاضة الحاصلة في مصر، واضعين جل الازمة في الخيارات السياسية الخارجية للدولة المصرية في عهد الرئيس حسني مبارك. وأتى بعض الاعلام اللبناني بعناوين عريضة يتسابق في نعت مبارك بـ"الطاغية". والحق ان مبارك لم يكن ديموقراطياً، ولا ملاكاً، ولسنا هنا في معرض الدفاع عنه ولا الايغال في رميه، في مرحلة بات معلوماً فيها انه انتهى حتى لو بقي رئيسا حتى نهاية ولايته. واعتقادنا انه لن يكمل الولاية، وفي المقابل لن يكون سهلا على من ينادي بنسف النظام المصري ان يبلغ هدفه لاسباب ليس هنا وقت الحديث عنها.
و البارحة كان للمرشد الاعلى للثورة الايرانية السيد علي خامنئي خطبة جمعة لافتة ونادرة باللغة العربية خصص مجملها للحديث عن احداث مصر وليعتبر ان ما يحصل هو نتاج العمالة لاميركا واسرائيل، وليقدم دعمه للثورة المصرية الاسلامية!
نموذجان من سوريا وايران بشأن انتفاضتي تونس ومصر، يرتكز منطقهما على فكرة مفادها انه متى اتخذت خيارات "صحيحة" بنظرهما يمكن حكم الشعب وتأمين الاستقرار، وكما يقول الاسد "الالتصاق "بشدة بما يؤمن به الشعب! وبمعنى آخر ان يكون نظام في خط ممانعة ضماناً له للاستمرارية وفهم ما يريده الشعب.
و لكن هل سمع منظّرو طهران ودمشق وبعض بيروت الشعارات التي يرددها المنتفضون المصريون في ساحات القاهرة والاسكندرية وغيرهما؟ وهل قرأوا ما كتب على لافتات المتظاهرين؟ وهل قرأ هؤلاء كل ما كتب ويكتب من أرض الانتفاضة في تونس أولاً والآن في مصر؟
تركزت الاحتجاجات ضد الفقر، والفساد العام والخاص، والتسلط، والدكتاتورية وحكم الاجهزة، والبلطجة، وانغلاق الآفاق الاقتصادية، وخنق الحريات الاعلامية، وحكم الحزب الواحد. اكثر من ذلك وبالتحديد كانت الثورتان ضد الحكم مدى الحياة، وتوريث الابناء: في تونس قيل ان زوجة الرئيس بن علي كانت تعدّ نفسها لخلافة زوجها. وفي مصر ما كانت قصة جمال مبارك بخافية على احد، فضلا عن احتمالات ان يترشح مبارك الاب لولاية جديدة في الخريف المقبل.
في الحالتين التونسية والمصرية لم تكن "الأمركة" ولا فكرة الاعتدال العربي موضع النقاش الحقيقي، لا على مستوى الشارع ولا على مستوى النخبة. كانت المسألة سياسية داخلية ذات ابعاد اقتصادية اجتماعية حقوقية (الحريات العامة والديموقراطية) هي وقود الانتفاضتين.
في تونس لم يخرج الناس على بن علي لانه غربيّ الهوى. خرجوا عليه لأنه دكتاتور "ابدي" محاط بالفساد وربما غارق فيه حتى عنقه. وفي مصر لم يخرج الناس على مبارك لانه يمثل حجر الرحى في النظام العربي الاعتدالي، ولا لأنه يقابل مسؤولين اسرائيليين (هو على الاقل علناً وجهاراً) او يلتزم معاهدة "كامب ديفيد". خرجوا ضده لأنه متسلّط ولم يشبع من الحكم وسعى الى توريث ابنه. خرجوا ضده بسبب قسوة العيش في مصر. وبسبب الفجوة الهائلة في الثروات، وبسبب حفنة من رجال الاعمال المجانين الذين أكلوا البلاد. وخرجوا بسبب حكم الحزب الواحد الذي خنق الحياة السياسية في البلاد، وما عاد ممكنا الاستمرار في ذلك.
إذاً، مما تقدم، فإن الانتفاضتين اشتعلتا لاسباب غير تلك التي يلمح اليها كل من الاسد وخامنئي. فهل نفهم من توصيف الزعيمين السوري والايراني ان "الممانعة" تحد من شهية الشعوب الى الحريات والحكم الرشيد والعدالة الاجتماعية والسياسية؟
وسؤالنا بعد ذلك بسيط: إذا كان بن علي ومبارك طاغيتين، فماذا يكون الاسد وخامنئي؟

التغيير مطلب عربي شامل

زوايا و دوائر:06-02-2011

التغيير مطلب عربي شامل  

تذكرنا "التظاهرات" التي اتجهت قبل يومين صوب السفارة المصرية للتضامن مع متظاهري ميدان التحرير، و ادانة الرئيس حسني مبارك و ضرب دمية ترمز اليه ب"تظاهرة السكاكين والبلطات " التي اخرجتها الوصاية السورية للرد على مواقف البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير و تخويف اللبنانيين بالشارع . ففي جوهر تظاهرات السفارة المصرية رسالة للداخل السوري اكثر مما هي رسالة تضامنية مع الانتفاضة الشبابية المصرية التي كانت و ماتزال حتى اللحظة حركة مطلبية داخلية . و هي محقة و عظيمة كونها وفي اقل من عشرة ايام انتزعت مكاسب سياسية طال انتظارها ثلاثين عاما ، و يجدر البناء عليها لمزيد من تحرير الحياة السياسية المصرية وصولا الى ديموقراطية قابلة للحياة . و في مطلق الاحوال فالثابت الا مجال للعودة الى ما قبل 25 كانون الثاني بوجود الرئيس مبارك او بغيابه.
بالعودة الى تظاهرات بيروت و على الرغم من انحدارها الخطابي فهيا  تلاقي الخطاب الرسمي في دمشق ، و خبطة السيد علي خامنئي الاخيرة بالعربية بمحاولة حرف عناوين الانتفاضة في مصر و قبلها في تونس عن الحراك المطلبي الحقيقي. فالحراك عنوانه داخلي بإمتياز . و العنوان الداخلي المطروح في مصر مطروح ايضا في كل مكان يرزح تحت نير الاستبداد و الدكتاتورية .
لم يكن الخيار في مصر بين مبارك و عبد الناصر، بل كان الخيار بين مبارك و الحريات و الديموقراطية و الشفافية و الحكم الرشيد والمحاسبة . و لم يكن الخيار في اي وقت من الاوقات بين حكم الحزب الوطني الحاكم  او حكم شبيه بحكم حزب البعث في سوريا .لم يفكر ملايين المتظاهرين في مصر للحظة واحدة بالنظام  الايراني كنموذج يحتذى او مرجعية تتبع. سطحية الشعارات المرفوعة في بعض بيروت و بعض اعلام بيروت العامل لاراحة دكتاتوريات اخرى اكثر من التضامن مع ميدان التحرير في القاهرة .
ان المطلب الاساس المرفوع في شوراع مصر هو التغيير . و لعل مطلب التغيير مطلب عريي شامل من الخليج الى المحيط ، ولا فرق هنا بين هذا او ذاك ، ولا بين ممانعة او اعتدال . التغيير حاجة عربية لكي يصبح للشعب في كل مكان صوت يسمع ، و رأي يستشر ، و قرار يتبع .
لقد سقط جدار برلين قبل اكثر من عقدين ، و تغيرت اوروبا و اميركا اللاتينية و معظم آسيا . ولكن رياح التغيير مرت من دون ان تصيب عالمنا العربي الذي تحول مع هجمات 11ايلول 2001 الى خط تماس عريض لصراعات كبرى بين الشرق و الغرب . و بقيت الشعوب قابعة تحت نير الدكتاتوريات ، حتى اذا ما ضربت احداها ( العراق ) من الخارج و لاسباب ما اخذت الشعوب في الحسبان ، تحولت البلاد الى ساحات حروب اهلية لا نهاية لها .
هذا ليس واقع مصر . و لن يكون فالحراك السياسي قائم ، و الحوار بين اطياف اللعبة السياسية بدأ ، و العودة الى الوراء مستحيلة .
المهم ان يفي الحكم في مصر بالتزاماته الاصلاحية بصورة جدية و عاجلة و بحراسة المؤسسة العسكرية التي يسجل لها على العكس من مؤسسات عسكرية في بلدان عربية اخرى ، انها لم تحرق احياء و مدنا للحفاظ على النظام .و ما لم يفي الحكم الانتقالي بالالتزمات فالشارع سيعود ليكون موضع الاحتكام .
و المطلوب الآن ان تلفح رياح التغيير كل العالم العربي.

علي حماده  

Monday, January 31, 2011

زوايا و دوائر:01-02-2011

درس لبقية الشعوب في المنطقة


لحظات مثيرة من تاريخ الوطن العربي يعيشها جيلنا . فبين تونس و مصر ثمة لوحة كبيرة اهتزت و لن تعود الى مكانها إلا بعد ان يحصل تغيير كبير يطوي مرحلة و يفتتح مرحلة جديدة ستكون بمثابة النموذج الذي سيبنى عليه الكثير في المستقبل القريب . فالدرس الاهم من احداث تونس و مصر انها انطلقت من احداث اعتبرت في لحظتها عابرة و هامشية ، فإذ بها الشرارة التي اشعلت سهلا و ما عادت تخبو لا بالوسائل العنفية و لا بالاجراءات السياسية المتي اتت في الحالتين متأخرة عن ركب الجمهور . و الحال انه و بصرف النظر عن الفوارق الكبيرة بين النظامين التونسي و المصري لناحية البنية و التاريخ و القدرات و حتى لناحية تفاعللهما مع المجتمع المدني ثمة حقيقة خرجت من التجربتين ، و مفداها ان دينامية الجمهور سرعان ما تتجاوز الشعارات المرحلية التي يرفعها السياسيون ، و كثيرا ما تصير حقائق الشارع المتسارعة هي مسيرة للتطورات : في تونس بدأت الحركة مطلبية و انتهت بإقتلاع نظام بأسره. و في مصر بدأت بسلسلة من التحركات الموضعية سياسية مطلبية و سرعان ادت الى وضع شعار رحيل الرئيس  في مقدمة المطالب . في الحالتين لعب الجيش دور حارس التغيير . انهارت الاجهزة الامنية في تونس و بقي الجيش الناظم للمرحلة الانتقالية . في مصر انهارت الشرطة و و بقي الجيش الناظم للمرحلة التي اضحت انتقالية كيفما تطورت الامور. اما المخابرات المصرية فجزء من ماكينة "مؤسسة الجيش" التاريخية فتبقى في عهدة الجنرالات ، و رئيسها التاريخي في المرحلة الاخيرة اللواء عمر سليمان يكسر حرما ارساه الرئيس حسني مبارك ليصبح نائبا للرئيس منهيا اشكالية التوريث.
في مطلق الاحوال لم تنته احداث مصر ، و لن تنته برحيل الرئيس حسني مبارك ، لأن البلاد مقبلة على مرحلة انتقالية صعبة و معقدة سيتعين على اطراف المعادلة الجيش ومعه ماكينة النظام المنبثقة عنه ، و المعارضات المتنوعة ابتداع صيغ حكم قابلة للحياة تحول دون سقوط البلاد في حالة فوضى لا قيامة منها.
احداث مصر و قبلها  احداث تونس لا شك في انها الهمت الشعوب العربي من الخليج الى المحيط . و لعل اهم الدروس المستقاة منهما تتلخص في انه ما ان تقرر مجموعة من الناس ان تدفع ضريبة الدم دفاعا عما تراه صوابا فإن الانظمة العربية تهتز . هذا درس يصح في كل مكان من الوطن العربي ، حتى في بلدان تعتبر قمعية و دموية . ان الخوف هو العامل الاكبر في تابيد الاستبداد في اي مكان .  و اليوم ثمة متغيرا اساسيا و هو ان الانظمة ما عادت قادرة على اراقة دماء الجماهير من دون حسب او رقيب.
انتهت ازمنة حلبجا ، و حماة ، و غيرهما من المحطات السوداء من تاريخ الانظمة العربية. و الباقي يتوقف على ارادة الجماهير و استعدادها للمجازفة بأغلى ما تملك في سبيل تحقيق التغيير الذي تصوب اليه .و في النهاية لكل بلد من بلدان المنطقة ظروفه و خصائصه ، و ما حصل في تونس او مصر قد لا يتكرر سريعا في غيرهما حيث الحاجة عظيمة للتغيير .

علي حماده  

بيروت في 31-01-2011

لحظات مثيرة في تاريخ العالم العربي . و ما يحصل في مصر ينبغي ان يكون مقدمة لتحولات كبرى في بقية ارجاء الوطن العربي.
ان الدرس الاكبر من خلال ما حدث فيكل من تونس و مصر يتلخص في ان الانظمة تهتز ما ان يقرر الشعب ان الحرية و الديموقراطية و التغيير تتطلب دماء كثمن لبلوغها.
انتهت ازمنة كانت فيه الانظمة العربية قادرة على اراقة الدماء من دون حسيب ولا رقيب. 100 او 200 شهيد و تنقلب صورة بلدان بأكملها .
بيروت في 31-01-2011

اخبار مصر تصدح في ارجاء العالم العربي، و تأثيراتها كبيرة و سوف ينعكس الامر على بقية الدول العربية . حان الوقت لكي تنظر بقية الانظمة الىى واقع جديد يرتسم في سماء العالم العربي من تونس الى مصر ... و انشاء الله الى المشرق العربي